دائما حركة التغيير المؤثرة تأتي من الداخل لا من الخارج، أو ربما مصداقية التغيير وتأثيره يحدث من داخل التكوين الاجتماعي لا من خارجه. فالتغيير الخارجي يمثل حتمية تاريخية تحدث دون أن تحل في الغالب مشكلات بعينها. فحالنا مع التقنية وثورة الاتصالات حال المستقبل لها، المستسلم للتغيير بوصفه حتمية. وهذا التغيير في الغالب لا يأتي وفق التطور الطبيعي للمجتمعات، بل يحدث تشوهات وخلخلة في البنية الاجتماعية، ويصبح هناك دايلكت يومي بين القبول والرفض، أو بين الاستسلام والمقاومة. في هذه الحالة نأخذ التغيير على أنه حتمية دون أن تكون هناك قدرة على توجيهه والبناء عليه. ولعل أفضل مراحل التغيير هو الذي تذهب إليه المجتمعات مسترشدة بقيمها، فتأخذ منه بقدر حاجتها ودواعي نموها. وهذا يصح كثيرا في التعليم وإعادة تكوين العلاقات الاجتماعية، ويصح أكثر في مطالبات تغيير واقع المرأة الذي يراوح بين أزمتين؛ الانكفاء والانعتاق. فالصورة النمطية التي تشكلت فيها المرأة أصبحت عبئا عليها وتحد من نموها اجتماعيا ووظيفيا. وهنا تظهر الحاجة للتغيير. وقبل أن نشرع في فهم أبعاد هذا التغيير، أود أن أعطي مسحة يسيرة لتغيير واقع المرأة في بلادنا، وهو تغيير بقوة دافعة، لذلك فهو تغيير إلحاح، وربما تغيير هبة أثره محدود ولا يرقى لاستثمار الطاقات الحقيقية لدى المرأة.
ولعل معركة تعليم المرأة كانت هي التغيير الأول ونقل المرأة من دورها التقليدي الذي كان ملائما لبيئتها، إلى بيئة مدنية متجددة أهم أدواتها التعليم. انقسمت القوى الاجتماعية بين مؤيد ومعارض، ربما المعارضة كانت أكثر ضراوة خشية من التغيير. وما كان لهذا الشد والجذب الاجتماعي أن يفضي إلى شيء إلا بعد أن تدخلت الدولة وأقرت نظام تعليم الفتاة مع كثير من الضوابط التي تقنع الفئة المعارضة، فهو تغيير مشروط. هنا حصل التغيير، لكنه تغيير بدعم من خارج طاقات المرأة. وقد يحتج بأن المرأة لم يكن لديها القدرات الكافية للمطالبة بالتغيير حينذاك، كما أن المجتمع محتم بسلطة ذكورية لا تسمح بهذه المطالبة. ويمكن قبول هذه الفرضية، لو أن الحال تحسن مع تطور تجربة تعليم المرأة. فالحقيقة ما زالت المرأة غائبة عن المطالبة الفاعلة بتغيير واقعها من حيث الوظائف، ومن حيث ممارسة حقوقها التجارية وسلامة إجراءات التقاضي بالنسبة لها، وحرية في تقرير مصيرها في كثير من القضايا مثل قيادة السيارة. هذه أمثلة للقضايا التي يخوضها الرجل بالنيابة عنها، هل ذلك لضعفها، أم لعدم تمكينها؟! في الحالتين الضعف وعدم التمكين دلالة على عدم قدرة المرأة على قيادة التغيير وبلورته بمنطق القانون. ولعل خطوة تعيينها في مجلس الشورى مثال على ذلك، فما كان لها أن تحظى بمقعد في المجلس إلا بإرادة ودعم من صاحب القرار. لماذا تغيب المرأة عن المطالبة بحقوقها، في حين يسعى الرجال لمنحها هذه الحقوق؟ فلو لم يكن لها حق المشاركة في الشأن السياسي والاجتماعي لما صدر قرار تعيينها في مجلس الشورى.
القياس على كثير من القضايا التي انتظرت المرأة حسمها لمصلحتها كثيرة، وهذا الركون لفعل الآخر غير مجد، وتأثيره محدود. ولعل وجودها في مجلس الشورى الآن يمنحها الفرصة لبلورة قضاياها، والمطالبة بتغييرها. فهذه الفرصة التاريخية، يمكن أن تكون مدخلا لتملك المرأة القول في تغيير واقعها على نحو منهجي وقانوني. وما تحتاجه المرأة هو بلورة تصورها عن مستقبلها، وبناء ثقتها بإمكاناتها، لتتحول من انتظار هبة التغيير إلى صنع التغيير لنفسها ولبلدها، وهي قادرة على ذلك.
halnemi@gmail.com
ولعل معركة تعليم المرأة كانت هي التغيير الأول ونقل المرأة من دورها التقليدي الذي كان ملائما لبيئتها، إلى بيئة مدنية متجددة أهم أدواتها التعليم. انقسمت القوى الاجتماعية بين مؤيد ومعارض، ربما المعارضة كانت أكثر ضراوة خشية من التغيير. وما كان لهذا الشد والجذب الاجتماعي أن يفضي إلى شيء إلا بعد أن تدخلت الدولة وأقرت نظام تعليم الفتاة مع كثير من الضوابط التي تقنع الفئة المعارضة، فهو تغيير مشروط. هنا حصل التغيير، لكنه تغيير بدعم من خارج طاقات المرأة. وقد يحتج بأن المرأة لم يكن لديها القدرات الكافية للمطالبة بالتغيير حينذاك، كما أن المجتمع محتم بسلطة ذكورية لا تسمح بهذه المطالبة. ويمكن قبول هذه الفرضية، لو أن الحال تحسن مع تطور تجربة تعليم المرأة. فالحقيقة ما زالت المرأة غائبة عن المطالبة الفاعلة بتغيير واقعها من حيث الوظائف، ومن حيث ممارسة حقوقها التجارية وسلامة إجراءات التقاضي بالنسبة لها، وحرية في تقرير مصيرها في كثير من القضايا مثل قيادة السيارة. هذه أمثلة للقضايا التي يخوضها الرجل بالنيابة عنها، هل ذلك لضعفها، أم لعدم تمكينها؟! في الحالتين الضعف وعدم التمكين دلالة على عدم قدرة المرأة على قيادة التغيير وبلورته بمنطق القانون. ولعل خطوة تعيينها في مجلس الشورى مثال على ذلك، فما كان لها أن تحظى بمقعد في المجلس إلا بإرادة ودعم من صاحب القرار. لماذا تغيب المرأة عن المطالبة بحقوقها، في حين يسعى الرجال لمنحها هذه الحقوق؟ فلو لم يكن لها حق المشاركة في الشأن السياسي والاجتماعي لما صدر قرار تعيينها في مجلس الشورى.
القياس على كثير من القضايا التي انتظرت المرأة حسمها لمصلحتها كثيرة، وهذا الركون لفعل الآخر غير مجد، وتأثيره محدود. ولعل وجودها في مجلس الشورى الآن يمنحها الفرصة لبلورة قضاياها، والمطالبة بتغييرها. فهذه الفرصة التاريخية، يمكن أن تكون مدخلا لتملك المرأة القول في تغيير واقعها على نحو منهجي وقانوني. وما تحتاجه المرأة هو بلورة تصورها عن مستقبلها، وبناء ثقتها بإمكاناتها، لتتحول من انتظار هبة التغيير إلى صنع التغيير لنفسها ولبلدها، وهي قادرة على ذلك.
halnemi@gmail.com